الثلاثاء، 13 ديسمبر 2011

بيت المقدس من العصر العثماني حتى الاحتلال الصهيوني


 
بيت المقدس من العصر العثماني حتى الاحتلال الصهيوني




بدأ العصر العثماني في القدس قبل أن تنقرض الدولة المملوكية التي كانت تحكم القدس في ذلك الوقت قبل العثمانيين، فالقدس كانت من المدن الأولى في الشام التي حكمها العثمانيون عند وصولهم إلى المنطقة.
وتميز العصر العثماني باستمرار حركة البناء النشيطة في القدس، كما تميز بظهور أنواع من التطور الاجتماعي والفني العثماني وانتشارها بكثرة في المدينة، مثل الانتشار الكبير للتكايا في المدينة على سبيل المثال ومن أشهرها: تكية (خاصكي سلطان) التي أوقفتها (روكسيلانة) زوجة السلطان سليمان القانوني رحمه الله للفقراء، كما انتشر الطراز العثماني في البناء في القدس وخاصة في مجال بناء المساجد.
ومن أشهر الأحداث والسلاطين في العصر العثماني:
1-  السـّلطان سـليمان القانوني (969 هـ/1561 م) الذي رمّم معظم المسجد الأقصى وخاصّة الجهة الجنوبيّة منه، كما قام السلطان رحمه الله بتجديد بناء سور المدينة المقدسة وهو السور الذي ما زال ظاهراً إلى الآن، وهو سور القدس الذي نراه اليوم، كما قام رحمه الله بإزالة الفسيفساء من الجدار الخارجي لقبة الصخرة المشرفة واستبدل بها البلاط القاشاني الأزرق الذي لازلنا نراه إلى اليوم.
2-   وبعد ذلك أكمل العمل السّلطان محمود الثّاني 1223هـ / 1817م والسّلطان عبد المجيد وعبد العزيز رحمهم الله.
3-   ثمّ جـاء في نهاية الدولة العثمانية الدّور الجليل المعروف للسّلطان عبد الحميد الثّاني 1293ـ 1876م والذي رفض (كما يعرف الجميع) تسليم المدينة والأرض المقدسة لليهود أو السماح لليهود بالاستيطان في فلسطين، كما أن من آثاره الجليلة في الأقصى المبارك ما عمله في قبة الصخرة المشرفة، حيث ذكر أنه كان أوّل مـن أعلن عن مسابقة خطيّة في الخط العربي فدعا الخطاطين للاشتراك في تقديم نماذج من خطوطهم، واختار منهم اثنين هما: (محمد شفيق)، وهذا الخطّاط هو الذي كتب سورة (يس)، قلب القرآن الكريم، حول قبة الصخرة المشرفة بالخطّ الثلث، كما اختار (عبد الله الزهري) الذي قام بكتابة السورة نفسها في المسـجد الحرام والمسـجد النبوي.
ومن أهم الآثار العثمانية في المسجد الأقصى المبارك:
1-  القباب العثمانية، ومنها قبة الخضر وقبة النبي والأرواح وغيرها.
2-  الخلاوي العثمانية التي تنتشر في ساحة الصخرة المشرفة، والخلاوي جمع (خلوة) وهي أماكن كانت تبنى خصوصاً لبعض العلماء والزهاد لينقطعوا فيها ويختلوا بأنفسهم للعبادة والدراسة والتفكر.
3-  كما يوجد في المسجد العديد من الآثار العثمانية الأخرى التي لا يتسع المقام لها هنا.
ولا يفوتني هنا أن أؤكد اختلافي الشديد والجوهري مع الأخ الأستاذ الكريم محمد حسن شرَّاب في كتابه (بيت المقدس والمسجد الأقصى)، حيث هاجم الأستاذ الدولة العثمانية أيما هجوم، واتهم العثمانيين بأنهم هم الذين سلموا القدس للبريطانيين، وأنهم أهملوا الأقصى حتى بات في أيامهم ضائعاً، وشَنَّع عليهم قيامهم بضم القدس وأخذها من أيدي المماليك الذين عرف لهم التاريخ فضلهم وحبهم للأقصى المبارك وللقدس، حتى أن الأستاذ شراب سمى هذه الفترة بالاحتلال التركي.
وأرى لزاماً هنا أن نذكر بأن المسلمين أولاً هم أمة واحدة لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى.. مع أنني متأكد من أن الأستاذ شراب لم يقصد التعدي على مسألة القوميات أبداً.. ولكن التسمية في نظري (الاحتلال التركي) غير دقيقة أبداً.
لا يمكن إنكار أو تحجيم دور العثمانيين العظيم في القدس، فمسيرة الإعمار استمرت في القدس والأقصى في العصر العثماني، ولم يتغير شيء في العضر العثماني من مكانة القدس الشريف إلا في نهاية الفترة العثمانية، التي أرى أنه لا يصح أصلاً أن نسميها (خلافة عثمانية) لأنه من المعروف في نهاية العصر العثماني أن عناصر من جمعية (تركيا الفتاة) و(الاتحاد والترقي) المعروفة بعلمانيتها وخاصة بقيادة أشخاص مثل أتاتورك، هم الذين قوضوا الخلافة العثمانية ودمروها، ولا يصح أن نغطي أعيننا عن خمسمائة عام من العمل والخير بعشرات السنوات الحالكة التي واكبت نهاية الدولة العثمانية.
 
السلطان عبدالحميد الثاني 
إنه لا يشك أحد في أنه لولا موقف السلطان عبدالحميد الثاني رحمه الله تعالى في مسألة الأقصى ووقفته الصارمة في وجه الأطماع الصهيونية لضاعت القدس وضاع الأقصى منذ بداية القرن العشرين لليهود، ولقام ثيودور هرتزل بتدمير كل المعالم الإسلامية في القدس كما وعد، وأما عزو هذا الموقف الصارم (كما يرى الأستاذ شراب) إلى مجرد نزعة ملكية تركية فهو غير منطقي! لأن الدولة العثمانية على امتداد حكمها لم يتبين منها أي نزعة تركية أبداً إلا عندما تولت جمعية الاتحاد الترقي الحكم، بل إن اللغة العربية بقيت هي السائدة في الأقصى والقدس وهي اللغة التي تم بها تأريخ كافة أعمال الترميم في الأقصى، ويستثنى من ذلك بالتأكيد محاولات جماعة الاتحاد والترقي في نهاية الفترة العثمانية لتتريك العرب، وهذا ليس من الخلافة العثمانية في شيء ولا يمت لسلاطين العثمانيين بصلة.
وأما كلام الأستاذ واتهامه للعثمانيين بأنهم (احتلوا) القدس من المماليك دون أي داع إلا رغبات التملك فهو قول مردود، حيث أنه من المعروف أن سكان المدينة هم الذين استقبلوا الجيوش العثمانية وسلموها مفاتيح المدينة والمسجد، وما كان ذلك إلا بسبب تفشي الضرائب بشكل كبير أثقل كاهل الناس بعد وفاة الملك الأشرف قايتباي رحمه الله، حين دب الضعف في خلفائه من الملوك حتى انتهت الدولة المملوكية. إذن فقد كان ذلك نتيجة الضعف في الدولة المملوكية وليس بسبب آخر.
وقد بقي الأمر في القدس الشريف كما هو من الاستقرار والهدوء حتى بداية الانحدار في الدولة العثمانية، الأمر الذي أثر سلباً بالطبع على الحركة العلمية في القدس كما أثر على باقي أنحاء الدولة، وبالتالي يتبين أن اتهامات الأستاذ شراب للعثمانيين غير دقيقة، والله عز وجل يقول في محكم التنزيل: (ولا يّجرِمَنَّكم شَنَئانُ قومٍ على أَن لا تَعدِلوا، اعدِلوا هو أقربُ للتقوى).
الاحتلال البريطاني ودور المجلس الإسلامي الأعلى:
وهكذا شاء الله لهذه المدينة المقدسة ومسجدها الأقصى أن تقع تحت الاحتلال مرة أخرى على يد البريطانيين، الذين دخلوا المدينة المقدسة محتلين عام 1917م، وذلك بقيادة الجنرال (ألنبي) الذي من العجيب ما ذكر عنه عند دخول المدينة المقدسة محتلاً غازياً، ومذكراً بالهدف الأساسي لحربه.. فقد قال خلال أول خطاب له أمام بوابة قلعة داود مقولته الشهيرة: (الآن انتهت الحروب الصليبية).
 
جنود الاحتلال البريطاني في القدس (المصدر: الشبكة الدولية)

إلا أن هذا العصر (عصر الاحتلال البريطاني) شهد في نفس الوقت قيام (المجلس الإسلامي الأعلى) بقيادة الحاج (أمين الحسيني) رحمه الله تعالى.

ولد الحاج أمين الحسيني نهاية القرن التاسع عشر عام 1897م، وفي نفس العام عقد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897م، والذي تقرر فيه تأسيس الحركة الصهيونية وتأسيس وطن قومي لليهود، وتم اختيار فلسطين لتكون مكاناً لهذا الوطن المزعوم. فما إن فتح الحاج عينيه على الدنيا حتى وجد المؤامرات تحيك
بالأرض المقدسة من كل العالم، وتلقى الحاج أمين تعليمه في القدس وتعلم الكثير من العلوم الشرعية والدنيوية وتعلم أصول اللغة العربية والفرنسية وغيرها. وأدى فريضة الحج عندما كان عمره لا يتجاوز 16 عاماً، فعرف منذ ذلك اليوم بلقب (الحاج أمين)، كما تعلم العلوم العسكرية في الكليات العسكرية العثمانية في إسطنبول. وما إن عاد إلى القدس حتى بدأت مؤامرة الاحتلال البريطاني لفلسطين، والتي هدفت منذ اليوم الأول إلى تسليم فلسطين للحركة الصهيونية العالمية.
تسلم الحاج أمين الحسيني منصب مفتي القدس في سن صغير نسبياً لا يتجاوز 25 عاماً، وكانت باكورة أعماله في ذلك المنصب تشكيل المجلس الإسلامي الأعلى ليشرف على كافة الشؤون المتعلقة بالأقصى والمقدسات الإسلامية في فلسطين، وكانت أهم وأكبر الأعمال التي قام بها المجلس في بداية تأسيسه إعلانه عن إجراء عملية ترميم واسعة للمسجد الأقصى المبارك، حيث كان الجامع القبلي قد تصدع بفعل عوامل الزمن، وكذلك كانت قبة الصخرة المشرفة تحتاج أعمال صيانة كثيرة، فبدأ العمل على الترميم عام 1923م بعد جولة في العالم الإسلامي تم خلالها جمع التبرعات من المسلمين لترميم الأقصى، وتولى كمال الدّين بك مسؤولية العمارة، وقام بتأليف لجنة من المهندسين ووضعت التصميمات الدّقيقة للترميم الكامل لمبنى الجامع القبلي، واقتضت خطة الترميم تدعيم قبة الجامع القبلي التي أصابها التلف بشكل كبير، وتم تجديدها مع نوافذها وجميع نوافذ الجامع، ولكن ما إن انتهى الترميم حتى فوجئ المسلمون بزلزال شديد في القدس عام 1927م، وقدر المهندسون يومها أنه لولا الترميم الذي تم عام 1923م لسقط مبنى الجامع القبلي نهائياً!
وتتابعت عدة زلازل صدعت مبنى الجامع القبلي مرة أخرى وأصبح معرضاً للانهيار، فبدأ الحاج أمين بعملية الترميم الثانية للأقصى المبارك بعد هذه الزلازل، وكان بدء العمل في هذا الترميم عام 1938م وانتهاء العمل عام 1943م، وفي هذه الفترة بدأت مطاردة الحاج أمين الحسيني ورحلة عذابه الطويلة التي لم تنته حتى وفاته رحمه الله تعالى. ففي نفس الوقت الذي كان فيه الحاج أمين يقف على رأس العمل على إصلاح وتعمير المسجد الأقصى المبارك والمباني الجليلة التي تنتشر فيه وعلى رأسها الجامع القبلي وقبة الصخرة، كان الحاج يعمل على إدارة الثورات المتعاقبة ضد القوات البريطانية والعصابات الصهيونية التي بدأت تنتشر في فلسطين. وكان يعمل على قيادة الثورات سياسياً ويقف في وجه السلطات البريطانية ويسهل وييسر استيراد الأسلحة لدعم المقاومين سراً.
ومن هنا بدأت عمليات المطاردة منذ فترة مبكرة، فكانت أول مرات المطاردة عام 1920م قبل أن يصبح مفتي القدس، فهرب إلى سوريا، ثم عاد تحت الضغط الشعبي على السلطات البريطانية التي اضطرت للسماح له بالعودة واستلام منصب المفتي. وكان يدير الثورات من قلب المسجد الأقصى المبارك، حتى قامت الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936م . وكان في تلك الفترة يعتبر ألد أعداء الحركة الصهيونية، وكان هو الذي رفض قرارات التقسيم المختلفة لفلسطين، حتى حاول الصهاينة قتله أكثر من مرة ودعوا إلى التخلص منه رحمه الله، وبقي على جهاده حتى بعد أن أخرج من فلسطين إلى أن توفي رحمه الله ودفن في لبنان عام 1974م. ويكفيه أنه بعد وفاته نشرت إحدى الصحف البريطانية عنواناً يقول: (مات عدو الصهيونية والإمبراطورية البريطانية)، وقال عنه أحد زعماء الحركة الصهيونية: (كان يمكن أن تقوم دولة إسرائيل خلال 10 سنوات أو 15 سنة منذ بدء مشروع إقامتها، ولكن أمين الحسيني جعل هذا الأمر يحتاج إلى عشرات السنين).
وهنا من المفيد أن نضيف أن من أشهر الذين أرّخوا لهذه الفترة الأسـتاذ عارف العارف الذي ننصح بقراءة كتابه (المفصل في تاريخ القدس) مع التنبيه على إشكاليات تاريخية في كتابه بسبب عدم التأكد من صحة بعض المواد التاريخية المذكورة في هذا الكتاب، إلا أنه يعد كتاباً توثيقياً هاماً لتاريخ مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك في فترة الاحتلال البريطاني بالذات لأن الرجل عاش في تلك الفترة.
الحكم والترميم الأردني:

 
حرب 1948م (المصدر: الشبكة الدولية)

وهنا بدأت بوادر احتلال جديد وغزو آخر من نوع مختلف..!! هو الغزو الصهيوني الذين مهد لهم البريطانيون أفضل وأحسن تمهيد لاحتلال المدينة المقدسة، حتى سلموهم البلاد والعباد عام 1948م، وانتهى فيها الاحتلال إلى أسوار القدس ، التي شاء الله أن يقيض لها رجالاً يذكرهم التاريخ بعزة وشموخ، ومنهم القائد (عبدالله التل) رحمه الله من أركان الجيش الأردني في حرب عام 1948م، الذي استسلمت على يديه الحامية الصهيونية التي كانت في البلدة القديمة بالقدس، والتي هزمت على يديه رحمه الله برغم قلة الموارد والإمكانيات، ووقع قائدها موشيه روزنك اتفاق استسلام مع القائد عبدالله التل تضمن أخذ جميع المحاربين الصهاينة أسرى حرب والسماح للنساء والأطفال والضعفاء من اليهود الخروج من البلدة القديمة وحماية أرواحهم جميعاً، وهذا هو قمة أخلاق الحرب التي تأمر بها المصادر الإسلامية الأساسية ويذكرها تاريخ المسلمين دائماً.
وبذلك تمت المحافظة على القسم الشرقي من القدس على يد الجنود الأردنيين بعد سقوط القسم الغربي عقب استشهاد القائد عبد القادر الحسيني رحمه الله في معركة القسطل الشهيرة، وتم ضم المدينة المقدسة وبضمنها المسجد الأقصى المبارك إلى شرق الأردن ليبدأ فيها الحكم الأردني الذي استمر منذ عام 1948م – 1967م، أي لمدة 19 سنة، وكان هناك عدة ترميمات أردنية في المسجد الأقصى المبارك خلال تلك الفترة، وأهمها في قبة الصخرة المشرفة عندما أمر الملك عبدالله الأول بتغيير الكسوة الرصاصية للقبة وكسوتها مرة أخرى بالنحاس المصفَّر المذهب لتعود ذهبية كما كانت في العهد الأموي وعاد لها رونقها وبهاؤها، وتم إجراء ترميمات أخرى في الجامع القبلي، وهو ما حمى المسجد الأقصى المبارك بعد ذلك – بحمد الله – من الكثير من الأخطار وبخاصة أخطار الحفريات من أن تهدده طوال الفترة الماضية والحمد لله رب العالمين.
الاحتلال الصهيوني:
في وقت اشتدت فيه الخطوب والمحن.. ضاعت من الأمة ذاكرتها في لحظة من الزمان.. فضاعت القدس.. وأذن الله بأن تبدأ الأمة امتحاناً شديداً لاسترداد البيت المقدس مرة أخرى كما كان الامتحان الأول أيام الفرنجة، ولكنه هذه المرة أشد وأقسى وأصعب، فالمرارة كبيرة والذل صعب، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 
موشيه دايان وإسحق رابين في القدس 1967م
 (المصدر: الشبكة الدولية)


دخل الصهاينة المدينة المقدسة يوم 7/6/1967م، وكانوا بزعامة موشيه دايان وزير الدفاع الإسرائيلي يومها، وأحد كبار قادته: إسحق رابين، وعندما دخل جنود الصهاينة منطقة المسجد الأقصى المبارك كانوا يتصايحون: (جبل المعبد بأيدينا) ومما نقل عنهم في الإذاعة العبرية أن بعضهم قام ونفخ الشوفار (المزمار اليهودي) في المسجد الأقصى المبارك إيذاناً بـ(عودة) اليهود إلى القدس، وإيذاناً باحتلال المدينة المقدسة والمسجد الأقصى المبارك بالذات، بل إنهم قاموا برفع علمهم فوق قبة الصخرة المشرفة، وبقي الأقصى مغلقاً لهؤلاء أسبوعاً، حتى قامت قوات الاحتلال الصهيوني بتسليم المسجد إلى دائرة الأوقاف الإسلامية الأردنية مرة أخرى خوفاً من ردة الفعل الإسلامية، وعملاً بنصيحة الحاخام: (زيرح فارحارتك) وزير الأديان الإسرائيلي آنذاك لأسباب تتعلق بتفسيرات خاصة بالنصوص اليهودية المقدسة، كما تم تدمير حارة المغاربة بالكامل وتسويتها بالأرض لتصبح ساحة للمبكى كما يسمونها.

 
جنود الاحتلال في الأقصى 1967م
(المصدر: الشبكة الدولية)

وخلال فترة الاحتلال الصهيوني للمدينة المقدسة تعرض المسجد الأقصى المبارك لأبشع أشكال الإهانة والاعتداءات، لعل أبشعها كانت المجازر الثلاثة التي ارتكبها الصهاينة على أرضه الطاهرة، ففي مجزرة الأقصى الأولى بتاريخ 8/10/1990م سقط 17 شهيداً في أروقة المسجد، وخلال المجزرة الثانية التي تسمى معركة النفق بتاريخ 24/9/1996م سقط في الأقصى المبارك 3 شهداء، وارتفع العدد خلال مجزرة الأقصى الثالثة بتاريخ 29/9/2000م ليسقط 5 شهداء على الأرض الطاهرة المقدسة.
ولا تعد هذه المجازر هي الوحيدة في أرض الأقصى المبارك، فقد هاجم الصهاينة المسجد واعتدوا على المصلين أكثر من مرة كان منها على سبيل المثال اعتداء (ألان جودمان) على قبة الصخرة المشرفة، والذي خلَّف شهيدين أحدهما من حراس المسجد الأقصى المبارك يوم 11/4/1982م، واكتشفت مئات المحاولات لتدمير المسجد وتدنيسه.
 
ما بقي من منبر نور الدين زنكي، البوابة فقط، في المتحف الإسلامي بالأقصى (تصوير المؤلف)

ولعل أحد أهم الأحداث المؤلمة التي مرت على المسجد الأقصى المبارك جريمة الحريق المشؤوم يوم 21/8/1969م والتي ارتكبها اليهودي الأسترالي المتطرف (دينيس مايكل روهان)، والتي أتت على منبر نور الدين محمود زنكي رحمه الله تعالى، والذي كان موجوداً في الجامع القبلي، ولم يبق من هذا المنبر إلا قطعة واحدة هي بوابة المنبر ما تزال موجودة في المتحف الإسلامي بالمسجد الأقصى المبارك (انظر الصورة المقابلة). وتم مؤخراً بناء منبر مطابق للمنبر الأصلي ووضع في مكانه بالجامع القبلي.
ولا يتوقف الأمر عند الحفريات التي تجريها سلطات الاحتلال في محيط وتحت أسوار المسجد الأقصى المبارك بالكامل، فالحفريات لا تقع (كما يتخيل البعض) تحت الجامع القبلي فقط، بل إنها تمتد في كل مكان تحت كامل مساحة المسجد الأقصى المبارك وتحت كامل أسواره الجليلة في محاولة لمسح معالمه بالكامل عن وجه الأرض إن استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
الترميمات في عصر الاحتلال الصهيوني:
استمرت الترميمات – رغم صعوبتها الشديدة – في المسجد الأقصى المبارك رغم الأحداث المتعاقبة والاعتداءات المتوالية من سلطات الاحتلال الصهيوني على المنطقة المقدسة، وكانت هذه الترميمات والتصليحات والتطويرات تتم على يد أبناء مدينة القدس وبعض الجمعيات واللجان الخيرية تارة، وبيد بعض الحكومات العربية والإسلامية تارة أخرى.
ومن أهم التطورات التي طرأت على المسجد الأقصى المبارك من حيث الترميم:
-  ترميم المسجد الأقصى المبارك من آثار الدمار وترميم الجامع القبلي من آثار الحريق الآثم عام 1969م، وكان ذلك على يد دائرة الأوقاف التابعة للحكومة الأردنية.
-  ترميم قبة الصخرة المشرفة وتغيير كسوتها المذهبة وفرشها بالسجاد الفاخر على يد الملك الحسين بن طلال ملك الأردن، وتم ذلك عام 1995م.
-  ترميم المصلى المرواني وافتتاحه للصلاة رسمياً لأول مرة في التاريخ، وذلك على يد كل من مؤسسة الأقصى في مدينة أم الفحم (وتسمى أيضاً أم النور) في داخل الخط الأخضر، ولجنة التراث الإسلامي في القدس، ودائرة الأوقاف الإسلامية الأردنية في القدس، وتم ذلك عام 1996م، ثم تبرعت مصر بفرش المصلى المرواني.
-  ترميم وافتتاح الممر الأموي تحت الجامع القبلي، والذي يسمى (الأقصى القديم) عام 1999م على يد نفس الجهات التي ذكرناها سابقاً، وتم فرش هذا المكان على يد بعض المحسنين من تركيا.
-  فرش الجامع القبلي وإصلاح أرضيته بالتعاون بين نفس الجهات الثلاثة، وكان ذلك عام 2000م وتم على نفقة الشيخ د. سلطان بن محمد القاسمي أمير إمارة الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
-  افتتاح البوابات المروانية العملاقة التي كانت مطمورة تحت الأرض في المنطقة الجنوبية الشرقية من المسجد الأقصى المبارك، وعمل ساحة حديثة جميلة البناء سميت (الساحة الشرقية) وذلك على يد نفس الجهات، وتمت إضاءة المكان على نفقة دولة الإمارات العربية المتحدة ممثلة بهيئة الهلال الأحمر.
وهكذا نرى أن أهم الترميمات والتصليحات في المسجد الأقصى المبارك لا تتم إلا بتضافر جهود المسلمين واجتماع كلمتهم، وفي ذلك عبرة وآية على الطريق.. لعل المؤمنين يجمعون كلمتهم ويقومون للمهمة العظمى والغاية الأسمى، تحرير البيت المقدس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق