على أرض الجزائر بلد المليون ونصف مليون شهيد وقف القادة الفلسطينين في المجلس الوطني الفلسطيني وفي مقدمتهم رمز الثورة الفلسطينية والأحرار بالعالم يصدح بصوته الهادر في كلمته التاريخية التي هزت القلوب وحركت مشاعر المئات من الحاضرين في قاعة قصر الصنوبر في مدينة الجزائر والتي غصت بالشخصيات الوطنية والقيادية والسياسية في دورة الشهيد أبو جهاد في15 تشرين الثاني 1988م ، معلناً في خطابه التاريخي أمام الحاضرين قائلاً: باسم الله باسم الشعب العربي الفلسطيني نعلن قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرف.
حيث جاء إعلان الاستقلال الوطني الفلسطيني الذي أعلنه الرئيس الشهيد ياسر عرفات من قلب العاصمة الجزائرية تتويجاً لثمرة كفاح ونضال طويل معمدة بدماء الشهداء وتضحيات ألاف الأسري العظماء قدمها الشعب الفلسطيني بقيادة م.ت.ف. الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني....فقد اختلطت مشاعر الحضور الممزوجة بالبكاء والفرح بعد انتهاء الشهيد أبو عمار من تلاوة إعلان وثيقة الاستقلال الوطني التي صاغها الراحل الشهيد الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش والتي تعتبر انجازاً وطنياً وتاريخياً للشعب الفلسطيني وتجسيداً لأهداف الانتفاضة الباسلة واعتماد القيادة الفلسطينية على الركن القانوني لتجسيد حلم الدولة الفلسطينية المستقلة وتمسك الشعب الفلسطيني بحقه الطبيعي والتاريخي في وطنه و بقرارات الشرعية الدولية .
لقد وقف العالم أجمع يرحب بهذا الإعلان الذي كان بمثابة نقطة تحول في بوصلة مسيرة الثورة الفلسطينية والنضال الفلسطيني، ومسار تاريخ المنطقة حتى توالت الاعترافات الدولية والعربية بدولة فلسطين معترفة بها 105 دولة وافتتحت السفارات والممثليات الدبلوماسية لفلسطين في مختلف دول العالم المعترفة بالاستقلال.
وإنطلاقا من ذلك ارى ان الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية، جاء بعد أحداث تاريخية هامة في حياة الشعب الفلسطيني وتطورات مهمة في المنطقة العربية ، تبين طبيعة الفرح وحجم المعاناة والصراع على إمتداد اكثر نصف قرن منذ عام 1947 حتى اللحظة لم يفقد اللاجئون الفلسطينيون الأمل بتحرير أرضهم وبالعودة الى مدنهم وقراهم وبناء دولتهم اسوة بشعوب الارض، وخاصة بعد ان عانى الشعب الفلسطيني داخل وطنه وخارجه من الظلم والقهر ما لم يعانيه شعب آخر، وصلت في بعض الأحيان وفي بعض المواقع حدود الإبادة الجماعية، كي لا تقوم في المنطقة دولة فلسطينية.
كل الشعب الفلسطيني بملايينه عانوا،عانى التشريد والحرمان من الوطن، ومن لم يعاني التشريد عانى الشوق للأهل المشردين في شتى بقاع الارض، وحرم قبل موته القديم أو القادم من اللقاء بهم، جيل ورث الموت والعذاب والأمل وورثه لجيل آخر، من سبق أخذ نصيبه ومضى ومعه الآلام، لكنه لم يضيع الآمال. فقد سلم الموت للجيل اللاحق ومعه مفتاح الحياة، ملفوفا بباقة من ورود الأمل بالدولة والعودة والاستقلال وهذا ما اكده الرئيس ابو مازن في خطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة .
نعم الاستقلال بالنسبة لنا حق رغم ما يعانيه شعبنا حتى هذه اللحظة من الغربة في داره وأرضه، ومن لم يذق طعم هذا العذاب، كم من إمرأة فلسطينية قتلت مع جنينها، أو أصيبت بمس من الجنون، وكان ذنبها الوحيد أنها فلسطينية تحب بلدها. وتحب الحرية، وتحب الأستقلال. تحب هواء بلادها تماما كحبها لزوجها أو طلفها أو لنفسها. وكم من طفل فلسطيني قتل دون ذنب إقترفه سوى أنه فلسطيني يراه البعض خطرا على حاضره ومستقبله.
لم يتردد الفلسطينيون من جانبهم في حمل كل صنوف الأسلحة التي توفرت لهم ليستخدموها ضد الأعداء،قاتل شعبنا بالحلم وبالأمل وبالقلم، بالحجر قاوم، إستخدم الكفاح المسلح ، عمل كل ذلك، من أجل أن يبقى على قيد الحياة، ومن أجل إنتزاع الحياة ذهب للموت وفجر نفسه لانه كان لديه قناعة راسخة، طالما أنا حي وموجود طالما أنا المنتصر، المهم أن لا أضيع في دهاليز الصهيونية والاستعمار ، بقائي ووجودي أصنع المستقبل، ثقته بنفسه كبيرة وهي التي تدفعه للتعلق بالحياة وبها يكبر معه الأمل، واجه أعدائه مباشرة وجها لوجه بالكلام، بالصمت عذبهم وأذاقهم الامرين، بصق في وجه جلاديه، واجه الأعداء بكل الاساليب، وصنع من أبسط الاشياء أسلحة فتاكة لا تقهر، نعم بالكف قاوم المخرز”، حول الحجر الى قوة فاقت قوة وفعالية فرق عسكرية جرارة، بإختصار تحمل وما لم يتحمله بشر، وصنع قدره بكل السبل فكانت انتفاضة الحجر والمقلاع وكانت انتفاضة الاقصى ، واليوم المقاومة الشعبية ، هذا هو شعب فلسطين ، شعب الجبارين كما اطلق عليه الرئيس الشهيد ياسر عرفات.
كل هذه الذكريات والمشاهد الحية، مرت ونحن نحتفل بذكرى إعلان الاستقلال وقبلها بأيام، كشريط سينمائي في ذهن معظم اعضاء المجلس الوطني الفلسطيني والآلاف الأخرى من الفلسطينيين.
الشارع الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها، إبتهج في 15 نوفمبر 88 لأعلان قيام دولة فلسطين، ورأى في هذا الاعلان تحقيق لحلمه، ولحلم الآباء والأجداد وحلم الشهداء وحلم المستقبل، ولكنه لم يخدع الذات، ولم يوهم النفس، نظر للاعلان عن قيام الدولة على أنه ترسيم داخلي فلسطيني للهدف، ونظر له بإ عتباره مشروع نضالي يحتاج الى وقت ونضال طويل لاستكمال شروطه، أسسه متوفرة ، ولكن شروط قيامه كحقيقة واقعة على الأرض غير متوفرة بعد، ونحن اليوم بعد غياب قادة عظام وعلى رأسهم الرئيس الرمز ياسر عرفات وفارس فلسطين ابو العباس والقادة ابو جهاد وابو علي مصطفى والحكيم جورج حبش وسمير غوشه وابو عدنان قيس والشيخ احمد ياسين وفتحي الشقاقي وعبد الرحيم احمد وسليمان النجاب ومحمود درويش وزهير محسن وشهيد اعلان الاستقلال طلعت يعقوب وابو احمد حلب وفضل شرور نتطلع الى تحويل الاعلان الى بنيان قائم على الأرض.
نعم الشعب الفلسطيني العظيم يحتفل بذكرى إعلان الاستقلال هذا العام وللأسف يواجه حالة انقسام مقيتة من جهة وانفصال سياسي كارثي مدمر بين شطري الوطن من جهة أخرى ويتطلع الى اللقاء المرتقب بين الرئيس محمود عباس والاخ خالد مشعل من اجل تطبيق اليات اتفاق المصالحة بعد الجمود والتمترس الذي حصل رغم الانتصارات التي حققتها القيادة الفلسطينية على المستوى الاممي في اليونسكو او في الامم المتحدة بغض النظر عن فشل الاعتراف بطلب فلسطين في مجلس الامن الدولي، ولكن لا بد من الاستمرار في توجيه البوصله حتى الوصول الى الهدف المنشود ،وكذلك صفقة تبادل الاسرى الوفاء للاحرار ، كل هذه العوامل تتطلب من الجميع اخراج شعبنا من حالة اليأس والإحباط الشديد للجسد الفلسطيني الواحد أمام المساندة العربية والدولية له، وخاصة ان شعبنا يتعرض اليوم لهجمة شرسة من حكومة الاحتلال تبتلع الأراضي وتهويدها وطمس المعالم التاريخية والدينية ومواصلة مشروعة الاستيطاني.
ونحن نتطلع الى اعلان الاستتقلال ندعو الى عدم الرهان على الإدارة الأمريكية واللجنة الرباعية بعد ان اصبحتا عاجزتان عن الضغط على إسرائيل والتهديد بقطع المساعدات عنها حتى يتوقف الاستيطان، وان اي رهان سيكون خاسرا ، وخاصة بعد ان تكشفت المحاولات الامريكية من خلال ضغوطها على الدول للتصويت برفض الطب، وفي ظل التأكيدات باستخدام الفيتو، وهو ما يخل بمبادئ القانون الدولي وحق الشعوب في الحرية والاستقلال وتقرير المصير.
ختاما: على الفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية الضغط بكافة الوسائل لتطبيق اليات اتفاق المصالحة الوطنية دون ابطاء وبعيداً عن الخصخصة والشروع في رسم استراتيجية وطنية تستند للثوابت وقرارات الاجماع الوطني وللمقاومة الشعبية بكافة اشكالها ، من اجل التأسيس لمرحلة جديدة في العمل الوطني الفلسطيني تقوم على أساس الشراكة السياسية باعتبار ذلك لبنة أساسية في إقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق